الخميس، 21 مارس 2013

مالك ابن الريب

مالك بن الريب

 

 

 

 

اشتهر مالك بن الريب بالصوصية وقطع الطريق، ومعه أصحابه شِظاظ وأبو حَردَبَة وغُوَيث، وفيهم قال الراجز:

الله نجاك من القصيم
وبطن فلج وبني تميم

ومن بني حردبة الأثيم
ومالك وسيفه المسموم

ومن شظاظ الأحمر الزنيم
ومن غويث فاتح العكوم

فساموا الناس شراً، حتى طلبهم مروان بن الحكم، فهربوا، فكتب إلى الحارث يطلبهم، فقال مالك:

تَأَلّى حلفة في غير جُرم
أميري حارث شبه الّصرار

فبعث الحارث رجلاً، فأمسك مالك وأبا حردبة، وبينما هو يقودهم، غفل الغلام عن مالك فأخذ سيفه وقتله، وجعل يقتل من كان معه يميناً شمالاً.
واجتمع مالك وأبو حردبة مع أصحابهم في البحرين. ثم ذهبوا إلى فارس فراراً من الحدث الذي أحدثه مالك، فلم يزل بفارس حتى قدم عليه سعيد بن عفان فاستصحبه.
قال أبو حردبة:

فهل الإله يُشيعني بفوارس
لبني أمية في سِرار جَمير.

كان مالك أجمل الناس وجهاً وأحسنهم ثياباً، فلما رآه سعيد بخراسان قال له: مالك ويحك، تفسد نفسك بقطع الطريق؟! وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد، وفيك هذا الفضل؟!
قال: العجز عن المعالي، ومساوات ذوي المروءات، ومكافأة الإخوان.
قال: فإن أغنيتك، واستصحبتك، أتكف عما كنت تفعل؟
قال: اي والله يا أمير.

شهد مالك فتح سمر قند، وتنسك، فمرض في مرو، وقيل بل طعن فسقط.
أحسّ مالك بالموت، وهو مريض في مرو فقال قصيدته المشهورة في رثاء نفسه.

•أول من رثى نفسه من العرب: يزيد بن خَذّاق العبدي ومطلع قصيدته:

هل للفتى من بنات الدهر من واق
أم هل له من حمام الموت من واق.

•وتلاه عبد بغوث بن الوقاص ومطلع قصيدته:

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
ومالكما في اللوم خير ولا ليا.

• من قائل القصيدة (ألا ليت شعري....)؟
1- قيل أنها لمالك بجميع أبياتها.
2- قيل أن ما قاله مالك من القصيدة ثلاثة عشر بيتاً، أما سائرها فمنحول عليه.
3- قيل أنه مات في خان فرثته الجن، لما رأت غُربته ووحدته، ووضعت الجن الصحيفة التي فيها القصيدة تحت رأسه. وهذا القول أقرب ما يكون من الخرافات، وقد يكون لشدة إعجابهم وبروعة القصيدة؛ جعلوا من قصة كتابتها ما نقرأه بالأساطير. والله أعلم.

القصيدة



ألا ليتَ شِعـري هـل أبيتـنَّ ليلـةً
بجنب الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيـا

الغضا: شجر ينبت في الرمل. أزجي: أسوق. النواجي: السراع.

فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَـه
وليت الغضى ماشى الرِّكـاب لياليـا

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى
مزارٌ ولكـنَّ الغضـى ليـس دانيـا

ألم ترَنـي بِعـتُ الضلالـةَ بالهـدى
وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيـا

دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتـي
بذي ( الطِّبَّسَيْـنِ ) فالتفـتُّ ورائيـا

أود: موضع ببلاد مازن. يقول: دعاني هواي وتشوقي في هذا المكان إلى أصحابي في المكان الآخر.

أجبتُ الهـوى لمّـا دعانـي بزفـرةٍ
تقنَّـعـتُ منـهـا أن أُلامَ ردائـيـا

لما ذكرت ذلك الموضع استعبرت فاستحييت فتقنعت بردائي لكي لا يرى ذلك مني.

أقول وقد حالتْ قُـرى الكُـردِ بيننـا
جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كـان جازيـا

إنِ اللهُ يُرجعني مـن الغـزو لا أُرى
وإن قلَّ مالـي طالِبـاً مـا ورائيـا

تقول ابنتيْ لمّـا رأت طـولَ رحلتـي
سِفـارُكَ هـذا تاركـي لا أبـا ليـا

لعمريْ لئن غالتْ خراسـانُ هامتـي
لقد كنتُ عن بابَـي خراسـان نائيـا

غالت خراسان هامتي: أهلكتني

فإن أنجُ من بابَي خراسـان لا أعـدْ
إليهـا وإن منَّيتُمـونـي الأمانـيـا

فللهِ دّرِّي يــوم أتــركُ طائـعـاً
بَنـيّ بأعلـى الرَّقمتَيـنِ ومالـيـا

يتعجب من نفسه أي عيش ينتظر؟

ودرُّ الظبَّـاء السانـحـات عشـيـةً
يُخَبّـرنَ أنّـي هالـك مَـنْ ورائيـا

السانحات: يريد ظباء سنحت فتطير منها، ووراء: بمعنى قدام.

ودرُّ كبـيـريَّ اللـذيـن كلاهـمـا
عَلـيَّ شفيـقٌ ناصـح لـو نَهانيـا

يرير بكبيري أبويه.

ودرّ الرجـال الشاهـديـن تَفتُّـكـي
بأمـريَ ألاّ يَقْصُـروا مـن وَثاقِيـا

تفتكي: فتكي

ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتـي
ودّرُّ لجـاجـاتـي ودرّ انتِهـائـيـا

تذكّرتُ مَنْ يبكـي علـيَّ فلـم أجـدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيـا

يقول كنت أستعمل السيف والرمح فهما لي خليلان يبكيان على في غربتي

وأشقـرَ محبوكـاً يـجـرُّ عِنـانـه
إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيـا

المحبوك: الفرس القوي.

ولكنْ بأطـرف ( السُّمَيْنَـةِ ) نسـوةٌ
عزيـزٌ عليهـنَّ العشيـةَ مـا بيـا

السمينة: موضع

صريعٌ على أيـدي الرجـال بقفـزة
يُسّوُّون لحـدي حيـث حُـمَّ قضائيـا

ولمّـا تـراءتْ عنـد مَـروٍ منيتـي
وخلَّ بها جسمـي، وحانـتْ وفاتيـا

خل: أي اختل واضطرب

أقـول لأصحابـي ارفعونـي فـإنّـه
يَقَـرُّ بعينـيْ أنْ (سُهَيْـلٌ) بَـدا لِيـا

يقول: ارفعوني لعلي أرى سهيل (النجم) فتقر عيني في بلدي.

فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانـزِلا
برابـيـةٍ إنّــي مقـيـمٌ ليالـيـا

أقيما علـيَّ اليـوم أو بعـضَ ليلـةٍ
ولا تُعجلانـي قـد تَبـيَّـن شانِـيـا

وقوما إذا ما استـلَّ روحـي فهيِّئـا
لِيَ السِّدْرَ والأكفـانَ ثـم أبكيـا ليـا

وخُطَّا بأطـراف الأسنّـة مضجَعـي
ورُدّا علـى عينـيَّ فَضْـلَ رِدائـيـا

خطا أي احفرا بالرمح

ولا تحسدانـي بــاركَ اللهُ فيكـمـا
من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا

خذانـي فجرّانـي ببـردي إليكـمـا
فقد كنتُ قبـل اليـوم صَعْبـاً قِياديـا

وقد كنتُ عطَّافـاً إذا الخيـل أدبَـرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَـنْ دعانيـا

وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى
وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجـارِ وانيـا

فَطَوْراً تَرانـي فـي ظِـلالٍ ونَعْمَـةٍ
وطـوْراً ترانـي والعِتـاقُ رِكابـيـا

وطورا تراني فـي رحـاً مُستديـرةٍ
تُخـرِّقُ أطـرافُ الرِّمـاح ثيابـيـا

وقوماً على بئـر السمينة فأسمِعـا
بها الغُرَّ والبيضَ الحِسـان الرَّوانيـا

الغر: البيض ، الرنو: النظر الدائم

بأنّكـمـا خلفتُـمـانـي بـقَـفْـرةٍ
تَهِيلُ علـيّ الريـحُ فيهـا السّوافيـا

ولا تَنْسَيا عهـدي خليلـيَّ بعـد مـا
تَقَطَّـعُ أوصالـي وتَبلـى عِظامـيـا

ولن يَعـدَمَ الوالُـونَ بَثَّـا يُصيبهـم
ولن يَعدم الميـراثُ مِنّـي المواليـا

الوالون: جمع والي ، والموالي: بنو العم والأقربون ، والبث: أشد الحزن

يقولـون: لا تَبْعَـدْ وهـم يَدْفِنوننـي
وأيـنَ مكـانُ البُـعـدِ إلا مَكانـيـا

غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسـي علـى غـدٍ
إذا أدْلجُـوا عنّـي وأصبحـتُ ثاويـا

وأصبح مالـي مـن طَريـفٍ وتالـدٍ
لغيري، وكان المالُ بالأمـس ماليـا

فيا ليتَ شِعري هـل تغيَّـرتِ الرَّحـا
رحا المثْلِ أو أمستْ بَفَلْوجٍ كما هيـا

المثل: موضع

إذا الحـيُّ حَلوهـا جميعـاً وأنزلـوا
بهـا بَقـراً حُـمّ العيـون سواجيـا

حلوها: نزلوا بها . أراد بالبقر النساء ، السواجي: السواكن.

رَعَيـنَ وقـد كـادَ الظـلام يُجِنُّهـا
يَسُفْـنَ الخُزامـى مَـرةً والأقاحيـا

وهل أترُكُ العِيسَ العَوالـيَ بالضُّحـى
بِرُكبانِهـا تعلـو المِتـان الفيافـيـا

العيس: الإبل التي تضرب إلى البياض ،| العوالي: الضخمة. المتان: وهو ما صلب من الأرض .

إذا عُصَبُ الرُكبانِ بيـنَ ( عُنَيْـزَةٍ )
و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقيـاتِ النَّواجِيـا

عنيزة: موضع . المبقيات: التي تبقي سيرها ، النواجي: التي تسرع في سيرها

فيا ليتَ شعري هـل بكـتْ أمُّ مالـكٍ
كما كنتُ لـو عالَـوا نَعِيَّـكِ باكِيـا

إذا مُتُّ فاعتـادي القبـورَ وسلِّمـي
على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا

تري جَدَثٍ قد جـرّتِ الريـحُ فوقـه
تُرابـاً كسَحْـق المَرْنَبانـيَّ هابـيـا

رَهينـة أحجـارٍ وتُـرْبٍ تَضَمَّـنـتْ
قرارتُهـا منّـي العِظـامَ البَوالـيـا

فيـا صاحبـا إمـا عرضـتَ فبلِغـاً
بنـي مـازن والرَّيـب أن لا تلاقيـا

وعرِّ قَلوصـي فـي الرِّكـاب فإنهـا
سَتَفلِـقُ أكبـاداً وتُبـكـي بواكـيـا

قلبُ طرفي حـول رحلـي فـلا أرى
به من عيـون المُؤنسـاتِ مُراعيـا

وبالرمل منّـا نسـوة لـو شَهِدْنَنـي
بَكيـنَ وفَدَّيـن الطبيـبَ المُـداويـا

فمنهـنّ أمـي وابنتـايَ وخالـتـي
وباكيـةٌ أخـرى تَهيـجُ البواكـيـا

وباكية أخرى: يريد زوجته

وما كان عهد الرمـل منـي واهلـه
ذميمـا ولا بالرمـل ودعـت قالـي

قاليا: كارها.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق