الأحد، 29 ديسمبر 2013

على كرسي الحلاق


على كرسي الحلاق

 

جهلت عيون الناس ما بداخلي

فوجدت ربي بالفؤاد بصيرا

 

ربي معي فمن الذي أخشى إذن؟!

مادام ربي يُحسن التدبيرا

 

وهو الذي قد قال في قرآنه

" وكفى بربك هاديًا ونصيرا "

 

  وصلت إلى الحلاق، بعد أن اتصلت برشيد (الحلاق)، رشيد كان في استقبالي، جلسنا نتحدث قليلًا قبل الشروع بالحلاقة.

رشيد: اشلونك محمد شخبارك...

محمد: والله بخير الحمد لله...

رشيد: اشلون البنوته الصغيره، اكبرت اللحين ما شاء الله؟

محمد: الحمد لله اكبرت...

أخرجت جهازي النقال لكي أريه أحدث صورة لنور.

رشيد: ما شاء الله كبرت، اللحين لازم اندور لها عريس!!

تبادلنا الضحك..

محمد: شخبار ضياء ابنك؟

رشيد: موجود لاهي بالدراسة...

محمد: الله يعينه...

رشيد: طيب وانت متى إن شاء الله؟

محمد: متى شنو؟!

رشيد: متى نفرح فيك، وانشوفك عريس، واتجيب أم حق نور؟

(ضحكة تهكمية)

محمد: الله كريم...

رشيد: إذا عزمت تجهيزك للعرس علي، وبدون مقابل...

(ضحكة تهكمية)

أحسّ رشيد أنه أثقل علي، فطلب مني الجلوس على الكرسي؛ للبدء بالحلاقة، وذهبت لأجلس على الكرسي.

رشيد: باين عليك منزمان مو حالق، كنت مسافر؟

محمد: موجود بس ماكو وقت...

رشيد: تعال شنو صار على القضية، في أحد قالك شي؟

محمد: الله كريم...

فترة هدوء وانشغال رشيد بالحلاقة...




   الموت... المتربص الذي لا يمل ولا يكل، ينتظر الإذن له لكي ينقض عليك بدون مقدمات، فليس للموت موعد.

  فالموت موجود طول الوقت حولك! قد يكون في السيارة التي تركبها! أو قد يكون في إبرة صغيرة أصابتك في المكان الخطأ! أو قد يكون بتعثرك ووقوعك على شيء حاد! أو قد يكون الموت في شفرة الحلاق! فها أنا أسلمت نحري لرشيد ليعبث به كما يشاء بشفرته...

 

لا تأمَنِ الموت في طرفٍ وفي نَفَسٍ

وإن تَمَنّعتَ بالحُجّابِ والحرس

 

فما تزال سهام الموت نافذةً

في جنب مُدّرع منها ومُترس

 

ترجو النجاة ولم تسلُك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليَبَس

 

  قطع شرودي من الموت والتفكير به، إلى الحياة مرة أخرى بسؤال:

رشيد: شنو هذا شيب؟ شيبت؟!

محمد: انت شيبتني...

ضحك...

رشيد: انت حتى الثلاثين ما كملتها، لا يكون نور الصغيرة شيبتك؟!

محمد: بالعكس...

رشيد: تبيني أصبغ الشيب؟ وأخليك شباب؟ ومره وحده ازوجك... إذا تبي مغربية أنا حاضر أوديك معاي المغرب تختار اللي تناسبك وتناسب نور...

فترة هدوء وتبادل الإبتسامات...

محمد: رشيد حبيبي اشتغل ولاحقين على موضوع الزواج...

يضحك رشيد...

رشيد: اشفيك يا حبيبي لازم تتزوج...

فترة هدوء فقد أشرف رشيد على الإنتهاء من الحلاقة...

قلت وأنا أهم بالمغادرة: راح أتزوج _ إن شاء الله_ في الوقت المناسب...

رشيد: تعال نسيت الحساب... وله أقولك بعدين ادفع مع تجهيزك للعرس...

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

أرسلت روحي


أرسلت روحي !

 

 

  أخذت آخر صندوق من شقتي... وقفت وقفة تأمل، انظر إلى الشقة بتمعن... أتسائل هل من عودة؟! وفي قرارة نفسي... لا عودة !!

  خرجت من الشقة وسلمت المفتاح ورحلت، وبعد مسافة، أعدت النظر إلى الشقة تذكرت قول الشاعر:

 

ومما شجاني أنها يوم ودعت

تولت وماء العين في الجفن حائر

 

فلما أعادت من بعيد بنظرة

إلىّ التفاتاً أسلمته المحاجر

 

يقولون لا تنظر وتلك بلية

بلى كل ذي عين لا بد ناظر

 

أُلامُ إذا حنت قلوصي من الهوى

ولا ذنب لي في أن تحن الأباعر

 

  إن الله وهبنا نعمة النسيان؛ هذه النعمة التي لا يعرف قدرها الإنسان إلا إذا احتاجها.

  جميعنا يمر بمصاعب ومحن وابتلاء، فهذه حال الدنيا الفانية، ويأتي النسيان _هبة الله لنا_ ليمحوا الذكريات المحزنة لنعيش حياتنا الجميلة بدون الذكريات المؤلمة....

  والآن طويت صفحة من صفحات نور _ رحمها الله _ ليست الصفحة الأخيرة، لكن الصفحات تتابع في إنطوائها وتوديعها إلى الأبد.....

  وبعد أن مرت الأيام وأنا بعيد عن الدار التي جمعتنا، تذكرت الأيام الجميلة، وبدأت أتسائل: هل تغيرت الدار؟! هل تتذكرني الدار؟! هل نسيتني؟! هل كنت أقصد الدار بعينها؟! أم روح من سكنت الدار؟!

  ربما تذكرت الدار على غرار مجنون ليلى عندما قال:

 

أمر على الديار ديار ليلى

أقبل ذا الجدار وذا الجدار

 

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا

 

  تاقت نفسي لرأيتها، ولم أجد السبيل للذهاب إلى الدار، فلم أجد غير أن أرسل روحي إلى الدار؛ لترى حالها كيف أصبحت؟!

 

أرسلت روحي إلى داري تطوف بها

لما خطانا إليها مالها سبل

 

أن تسأل الدار إن كانت تذكرنا

أم أنها نسيت إذ أهلها رحلوا

 

  ذهبت روحي لتتذكر الأيام الجميلة، لأن عودتتي باتت مستحيلة ...

 

هيهات يا دار أن تصفو الحياة بنا

ويرجع الجمع بعد النأي يكتملوا

 

لكن روحي ستبقى فيك ساكنة

مالي بغيرك لا شاة ولا جمل

 

  ما كان يؤرقني أني لو رجعت ورأيت الدار؛ هل كانت لتحدثني؟! أم أنها تعاتبني؟!

  فأنا لم أجد الوقت لتوديعها... ففي لحظات الفراق؛ تضيع الجمل والمفردات، وتندم على كلمات كنت تتمنى ايصلها...

 

أو عدت يا دار هل ألقاك باسمة

أم في اللقاء يعز القول والجمل

 

ويصبح الهمس نجوانا فلا كلم

والعين تهطل سحًا تغدق المقل

 

بالله يا دار لا تبدي معاتبتي

أني رحلت بحالي دونما قبل

 

  تذكرت نور _ رحمها الله _ ولحظات الوداع، اللحظات الأخيرة، عندما أخذوها مني _ المستشفى الذي أهملها إلى أن ماتت _ دون توديع، ولا قبل، حتى لم يتسنى لها النظر إلى ابنتها....

 

ما كان للظلم ساعات الرحيل وما

وقت أتيح إذ الآهات تنطلق

 

لا بد لليل من صبح يبدده

ويسطع النور والظلماء ترتحل

 

  ودعت روحي وذهبت لأمارس حياتي اليومية...!!

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأبيات للشاعر: نادر شاليش

الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

القين وابن المراغة


القَيْن وابن المَراغة

 

   لم يجد العرب الصعوبة في ارتجال بيت من الشعر بل قصيدة كاملة، ويرجع هذا الأمر إلى ذكاء العرب وسرعة بديهة الشاعر، في تأليف أبيات تناسب الموقف، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا...

   وقد بلغ من ذكاء الشعراء وفطنتهم؛ تأليف أبيات قبل أن يقولها الشاعر!!

   فقد حكي أن سليمان بن عبد الملك أمر الفرزق بضرب عنق أسارى من الروم فاستعفاه فلم يفعل، وأعطاه سيف لا يقطع شيئًا فقال الفرزدق: بل أضربهم بسيف أبي رغوان مُجاشع _يعني نفسه_ فقام فضرب به عنق رومي منهم فلم يقتله السيف!

   فضحك سليمان ومن حوله فقال الفرزدق:

أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر
لم ينب سيفى من رعب ولا دهش ... من الأسير ولكن أُخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر

   ثم جلس وهو يقول: كأن ابن المَراغة _يعني جرير_ قد هجاني فقال:

بسيف أبي رغوان سيف مجاشع

ضربت ولم تضرب ابن ظالم
ولم يرى جرير ولم يسمع منه شيئًا، إنما أحس أن جرير سيقول هذين البيتين إذا علم بالأمر.
   ثم انصرف، وحضر جرير، وخُبر بالخبر، ولم ينشد له الشعر، فأنشأ يقول:

بِسَيْفِ أَبِي رَغْوَانَ سَيْفِ مُجَاشِعٍ

ضَرَبْت وَلَمْ تَضْرِبْ بِسَيْفِ ابْنِ ظَالِمِ

ثم قال: يا أمير المؤمنين كأن بابن القيَن _يعني الفرزدق_ وقد أجابني فقال:

ولانَقْتُلُ الْأَسْرَى وَلَكِنْ نَفُكُّهُمْ

إذَا أَثْقَلَ الْأَعْنَاقَ حَمْلُ الْمَغَارِمِ
وكذلك جرير أحس أن الفرزق سيرد على البيت بهذا البيت‘ ولم يرى الفرزدق.
فاستحسن سليمان حدس الفرزدق على جرير، ثم أخبر الفرزدق بشعر جرير، ولم يخبره بحدسه، فقال الفرزدق:

كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها
وتقطع أحيانًا مناط التمائم


ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم
إذا أثقل الأعناق حمل المغارم


وهل ضربة الرومي جاعلة لكم
أبًا عن كليب أو أخًا مثل دارم.

  

  كان جرير يسمي الفرزدق القَيْن، وأصل هذه التسمية؛ أن الفرزدق افتخر يومًا بنسبه يهجو جريرًا فقال:

ولست، ولو فقأت عينك، واجدًا

أبًا لك إن عد المساعي كدارم

 

هو الشيخ وابن الشيخ لا شيخ مثله

أبو كل ذي بيت رفيع الدعائم

   فأجابه جرير، يعرِض بدارم وهو جد الفرزدق:

أقين بن قين لا يسر نسائها

بذي نجب أَنا ادعينا لدارم

 

هو القين ابن القين لا قين مثله

لفطح المساحي أو لجدل الأداهم.

   والقين هو الصانع الذي يعمل بيديه والحداد.

   وكان الفرزدق يسمي جريرًا ابن المَراغة، والمراغة هي الحمارة أو الأتان، والأخطل هو الذي لقب جريرًا بابن المراغة، في الأصل.

   وترتيب الأخطل والفرزدق وجرير -في الولادة والوفاة- على ترتيب أسمائهم هنا، فإن الأخطل أقدمهم مولدًا وأولهم وفاة، ثم الفرزدق أصغر من الأخطل وأسن من جرير، وتوفي بعد الأخطل بـ 20 سنة وقبل جرير بسنة واحدة أو نحوها، وجرير أصغرهم سنًا وآخرهم وفاة.

   وأما ولادة الأخطل فقال أبو الفرج في الأغاني: "وقال ابن النطاح حدثني الأصمعي قال:  إنما أدرك جريرٌ الأخطل وهو شيخٌ قد تحطم. وكان الأخطل أسنَّ من جرير، وكان جرير يقول: أدركته وله نابٌ واحد، ولو أدركت له نابين لأكلني."

   وقد تصادق الأخطل مع الفرزدق، ولما رأى جرير من الصداقة بين الفرزدق والأخطل _وكان نصرانيًا_ قال:

ويسجد للصليب مع النصارى

وأفلج سهمنا ولنا الخيار

   وكان الفرزدق قد أُخرج من المدينة لأنهم شَهدوا عليه بالفجور، ولذلك يقول جرير:

إذا دخل المدينة فارجموه

ولا تُدنوه من جَدَث الرسول

   قيل أن أشعرهم الأخطل لولا أنه كان نصرانيًا، وقيل جرير أشعرهم، وقيل الفرزدق، وكل منهم له أنصاره.

   ولكن أجد _أنا شخصيًا_ أن النساء لهم نظرة جميلة في تقييم الشعر، وتمييز الأفضل منهم.

   وقد وجدت قصصًا عن سؤال كبار الشعراء مثل امرؤ القيس وغيره للنساء وتحكيم النساء.

   وقد يعود هذا الأمر لحس المرأة المرهف وتذوقها للشعر، ومكوثها الطويل في البيت وقراءة الشعر مراة ومراة، فهي قد تكون _أحيانًا_ أكثر عدلًا من الرجل في اختيار الأشعر.

   فقد دخل الفرزدق يومًا على سكينة بنت الحسين _رضي الله عنهما_ فسألته: من أشعر الناس؟ فقال: أنا. قالت: كذبت، أشعر الناس من يقول:

بنفسي من تجنبه عزيز

علي من زيارته لِمام

 

ومن أُمسي وأصبح لا أراه

ويَطرقني إذا هجع النيام

   ثم دخل عليها في اليوم الثاني، فقالت: من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت، أشعر الناس من يقول:

لولا الحياء لهاجني استعبار

ولزرت قبرك والحبيب يُزار

 

كانت إذا هجر الضجيع فراشها

كتم الحديث وعفت الأسرار

 

لا يلبِث القراناء أن يتفرقوا

ليل يَكُر عليهم ونهار

   ثم دخل عليها في اليوم الثالث، فأعادت السؤال عليه، وأعاد الجواب نفسه، فقالت: أشعر منك من يقول:

إن العيون التي في طرفها حور

قثلننا ثم لم يحيين قتلانا

 

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله إنسانا.

وجميع الأبيات لجرير.

   أرجو أن تكونوا قد استمتعتم بالقين وابن المراغة....