الصعاليك
الصعاليك
الصعلوك باللغة: الفقير الذي لايملك المال الذي يساعده على
العيش وتحمل أعباء الحياة، مؤكداً أن هذه اللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية
وأخذت معاني أخرى كقطاع الطرق الذين يقومون بعمليات السلب والنهب….
●ويمكن تقسيم الصعاليك إلى فئات ثلاث:
1- فئة الخلعاء الشذاذ وهم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب
أعمالهم التي لاتتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز
الأزدي وقيس الحدادية.
2- وفئة أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم آباءهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة، وتأبط شراً والشنفري.
3- وفئة احترفت الصعلكة احترافاً وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها مثل عروة بن الورد.
وما يلفت النظر في أشعار هؤلاء الصعاليك ترديد صيحات الفقر والجوع والحرمان
.. كما كانوا ناقمين وثائرين على الأغنياء والأشحاء وامتازوا بالشجاعة
والصبر وقوة البأس والمضاء وسرعة العدو وقد ضرب بهم المثل في شدة العدو حتى
قيل (أعدى من السليك) و (أعدى من الشنفري).
كانوا لا يعترفون بسلطة القبيلة وواجباتها (خارجون عن
القانون : بالوصف المعاصر)، فطردوا من قبائلهم. ومعظم أفراد هذه الجماعة،
من الشعراء المجيدين وقصائدهم تعدّ من عيون الشعر العربي.
امتهن الصعاليك غزو القبائل بقصد الاخذ من الاغنياء وإعطاء المنبوذين أو
الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل
الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب
الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر في شكله المتمرد.
واصطبغت أدبيات الصعاليك برؤيتهم عن الحياة فجاءت معظم قصائدهم تحكي عن شجاعتهم وقدرتهم وتحديهم للمجتمع.
وشعرهم يمتاز بقوة العاطفة وسعة الخيال وفيه من الحكمة الشيء الكثير.
ومن مميزات شعرهم الخلو من المقدمات الطللية فكانوا أول من كسر بنية
القصيدة الجاهلية كما خلا شعرهم من المدح والطول فانتهجوا شعرا جديدا.
ولامية العرب التي قالها الشنفرى؛ تعد من أجمل أشعار العرب وتجد فيها هذه المعاني الجميلة.
أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ
فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ
وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ
وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ
لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ
هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ
وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِ أبْسَـلُ
وَإنْ مُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ
بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَـا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْ تَفَضُّـلٍ
عَلَيْهِـمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّـلُ
معاني جميلة، من لص وقاطع طريق؟!
يقول عروة بن الورد:
إِذا المَرءُ لَم يَطلُب مَعاشاً لِنَفسِهِ
شَكا الفَقرَ أَو لامَ الصَديقَ فَأَكثَرا
وَصارَ عَلى الأَدنَينَ كَلّاً وَأَوشَكَت
صِلاتُ ذَوي القُربى لَهُ أَن تَنَكَّرا
وَما طالِبُ الحاجاتِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ
مِنَ الناسِ إِلّا مَن أَجَدَّ وَشَمَّرا
فَسِر في بِلادِ اللَهِ وَاِلتَمِسِ الغِنى
تَعِش ذا يَسارٍ أَو تَموتَ فَتُعذَرا
هل يعقل أن تخرج هذه المعاني، والكلمات، والقوة، والجزالة، من قاطع طريق؟!
وقال الأحيمر السعدي:
عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى
وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطير
يَرى اللَهُ إِنّي لِلأَنيسِ لَكارِهٌ
وَتُبغِضُهُم لي مُقلَةٌ وَضَميرُ
فَلِلَّيلِ إِن واراني اللَيلُ حكمُهُ
وَلِلشَمسِ إِن غابَت عَلَيَّ نُذور
وَإِنّي لَأستَحيي مِنَ اللَهِ أَن أُرى
أُجَرِّرُ حَبلاً لَيسَ فيهِ بَعير
وَأَن أَسأَلَ المَرءَ اللَئيمَ بَعيرَهُ
وَبَعرانُ رَبّي في البِلادِ كَثير
لَئِن طالَ لَيلي بِالعِراقِ لَرُبَّما
أَتى لِيَ لَيلٌ بِالشَآمِ قَصير
الأبيات الجميلة التي قالها الصعاليك؛ لا تحصى. ولا أريد أن أطيل عليكم. أختم بقصة أبي النشناش.
أبا النشناش
لم يعرف له اسم.
كان يعترض القوافل في شذاذ من العرب بين طريق الحجاز والشام
فيجتاحها، فظفر به بعض عمال مروان فحبسه وقيده مدة، ثم أمكنه الهرب في وقت
غرة فهرب، فمر بغراب على بانة ينتف ريشه وينعب، فجزع من ذلك، ثم مر بحي من
بني لهب فقال لهم: رجل كان في بلاء وشر وحبس وضيق فنجا من ذلك، ثم نظر عن
يمينه فلم ير شيئًا ونظر عن يساره فرأى غرابًا على شجرة بان ينتف ريشه
وينعب؟ فقال اللهبي: إن صدقت الطير يعاد إلى حبسه وقيده، ويطول ذلك به
ويقتل ويصلب. _كان العرب يتشائمون بالغرب الأسود_ فقال له: بفيك الحجر!
قال: لا، بل بفيك.
وأنشأ يقول الشعر:
وسائلة أين ارتحالي وسائل ... ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه
مذاهبه أن الفجاج عريضة ... إذا ضن عنه بالنوال أقاربه
إذا المرء لم يسرح سواما ولم يرح ... سواما ولم يبسط له الوجه صاحبه
فللموت خير للفتى من قعوده ... عديما ومن مولى تعاف مشاربه
ودوية قفر يحاربها القطا ... سرت بأبي النشناش فيها ركائبه
ليدرك ثأرا أو ليكسب مغنما ... ألا إن هذا الدهر تترى عجائبه
فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالبه
فعش معذرا أو مت كريما فإنني ... أرى الموت لا يبقى على من يطالبه
والنشناش فعلال من قولهم نشنش الطائر ريشه إذا نتفه وألقاه
قال الشاعر:رأيت غرابًا ساقطًا فوق بانة ... ينشنش أعلى ريشه ويطايره
والنشنشة أيضاً هي الخشخشة
قال:عنشنش تحمله عنشنشه ... للدرع فوق ساعديه نشنشه
ويروى خشخشة. وأما النشاش ففعال من نش المقلى ونش المكان بالماء إذا صب فيه فسمعت له نشيشًا
قال:ينش الماء في الربلات منها ... نشيش الرضف في اللبن الوغير .
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق