الخميس، 14 مارس 2013

لَكِ الله

لك الله

 
 
 

إذا فقدت المرأة زوجها... وهي ترعى طفلة صغيرة... كيف يكون حالها؟
  يبدع الشاعر (معروف  الرصافي) في وصف المرأة، وهي تعاني وتقاسي، ويجعلك تشارك المرأة مشاعرها، من خلال هذه القصيدة الجميلة، التي إن بدأت بها، لن تقوم حتى تفرغ منها، بطريقة سرده للأحداث، كالذي يقرأ قصة مشوقة.

لـقيتها  لـيتني مـا كـنت القاها
تـمشي وقـد أثقل الأملاق ممشاها

أثـوابـها رثّـةٌ والـرجل حـافية
والـدمع تـذرفه فـي الخد عيناها

بـكت مـن الفقر فاحمرّت مدامعها
واصـفرّ  كالورس من جوع محيّاها

مـات  الذي  كان يحميها ويسعدها
فـالدهر مـن بـعده بالفقر أشقاها

الـموت أفـجعها والـفقر أوجعها
والـهمّ أنـحلها والـغمّ أضـناها

فـمنظر الـحزن مـشهود بمنظرها
والـبؤس مـرآه مـقرون بـمرآها

كـرّ الـجديدين قـد ابلى عباءتها
فـانشقّ  أسـفلها وانـشق  أعلاها

ومـزّق  الـدهر ويل الدهر مئزرها
حـتى  بدا من شقوق  الثوب جنباها

تـمشي بـأطمارها والـبرد يلسعها
كـأنه  عـقرب شـالت  زبـاناها

حـتى غـدا جسمها بالبرد مرتجفا
كالغصن في الريح واصطكّت ثناياها

تمشي وتحمل بـاليسرى وليدتها
حـملاً  على الصدر  مدعوماً بيمناها

قد قـمّطتها بـأهدام مـمزّقة
فـي الـعين مـنثرها سمبحٌ  ومطواها

مـا أنـس لا أنس أنيّ كنت أسمعها
تـشكو  إلـى ربّها أوصاب  دنياها

تـقول  يـا  ربّ لا تـترك بلا لبن
هـذي الـرضيعة وارحـمني وإياها

مـاتـصنع الأم في تربيب طفلتها
أن مـسّها الـضرّ حتى جفّ  ثدياها

يـا ربّ مـا حيلتي فيها وقد ذبلت
كـزهرة الروض فقد الغيث أظماها

مـا بـالها وهـي طول الليل باكية
والأم سـاهـرة تـبكي لـمبكاها

يـكاد يـنقدّ قـلبي حـين أنظرها
تـبكي وتـفتح لي من جوعها فاها

ويـلـمّها طـفلة بـاتت مـروّعةً
وبـتّ  مـن حولها في الليل  ارعاها

تـبكي لـتشكوَ مـن داءٍ ألـم بها
ولـست  أفـهم منها كنه  شكواها

قـد فـاتها النطق كالعجماء أرحمها
ولـست أعـلم أيّ الـسقم  آذاها

ويـح ابـنتي أن ريب الدهر روّعها
بـالفقر والـيتم آهـا مـنهما  آها

كـانت  مـصيبتها بـالفقر واحدة
ومـوت  والـدها بـاليتم ثـنّاها

هـذا الـذي في طريقي كنت أسمعه
مـنها  فـأثرّ فـي نفسي  وأشجاها

حـتى  دنَـوت إلـيها وهي ماشية
وادمـعي  أوسـعت في الخد  مجراها

وقـلت  يـا  أخت مهلاً أنني رجل
أشـارك  الـناس طـرّاً في  بلا ياها

سـمعت يا أخت شكوىً تهمسين بها
فـي قـالة أوجـعت قلبي بفحواها

هـل تسمح الأخت لي أني أشاطرها
مـا  في يدي الآن  استرضي به اللها

ثـم اجـتذبت لها من جيب ملحفتي
دراهـماً كـنت اسـتبقي  بـقاياها

وقـلت يا أخت أرجو منك تكرِمتي
بـأخذها دون مـا مـنٍّ  تـغشاها

فـأرسلت  نـظرةً رعـشاءَ راجفةً
تـرمي  الـسهام وقلبي من  رماياها

وأخـرجت زفـرات مـن جوانحها
كـالنار تـصعد من أعماق  أحشاها

وأجـشهت  ثـم قالت وهي باكية
واهـاً لـمثلك مـن ذي رقة  واها

لو عمّ في الناس حسَنٌ مثل حسّك لي
مـاتاه فـي فـلوات الفقر من تاها

أو كـان  في الناس انصاف ومرحمة
لـم  تـشك أرمـلة ضنكاً بدنياها

هـذي حـكاية حال جئت أذكرها
ولـيس يـخفي على الأحرار مغزاها

أولـى الأنـام بـعطف الناس أرملةٌ
وأشـرف الناس من في المال واساها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق