المعلقات العشر
قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أوالعشر _على
قول_ برزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، حتّى عدّت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين من آثار أدبية.
تعليق الصحائف على الكعبة كان
سنة بالجاهلية بقي أثرها في الإسلام. فمن ذلك الصحيفة التي علقتها قريش؛ لمقاطعة
بني هاشم؛ لحمايتهم الرسول _صلى الله عليه وسلم_. كذلك علق هارون الرشيد العهد
بالخلافة لمن بعده إلى ولديه الأمين فالمأمون.
لذلك علقت المعلقات وقيل
المذهبات _لأنها تكتب بماء الذهب_ على أستار الكعبة.
وقيل أنها كانت تعلق على خزائن الملوك.
وممن أيد كتابتها بماء الذهب
وتعليقها على أستار الكعبة ابن عبد ربه الأندلسي، وابن رشيق، وابن خلدون.
هذا القول المشهور والمتداول بين
الناس، وقد قال بعض العلماء بأن المعلقات لم تعلق على أستار الكعبة!
حيث كان اعتماد العرب على الحفظ،
فمالداعي لكتابة هذه القصائد؟
وكما هومعلوم ممن عاصر الرسول _صلى الله عليه وسلم_ كان عدد الذين يكتبون
قليل جدًا.
ولو كانت علقت على الكعبة؛
لوجدنا لها ذكرًا، ولتباهى الشعراء بقصائدهم التي علقت على الكعبة. فقد كان من
عادة العرب؛ التباهي، والفخر فلماذا لم يتباهى أحد بالمعلقات؟
واختلفوا كذلك في عدد المعلقات،
فمنهم من قال: أنها سبع. وفريق اعتبرها ثمانية. وذهب فريق أنها عشرة.
وعلى أي حال تمخض مثل هذا النوع
من النقد والتفضيل عن اختيار قصائد بعينها لتكون أشهر قصائد شعراء العصر الجاهلي
وسميت بالمعلقات. ولعلها كانت أول عملية ( مختارات شعرية ) _في ما هو معروف_ إذ
استمر النقاد على هذا المنوال فيما بعد، فجاءت المفضليات، والأصمعيات، وجمهرة
أشعار العرب ....
قبل أن أذكر لكم أصحاب المعلقات
العشر؛ أحببت أن أردف هنا قول ابن رشيق: ( المشاهير من الشعراء أكثر من أن يحاط
بهم عددًا، ومنهم مشاهير قد طارت أسماؤهم، وسار شعرهم وكثر ذكرهم، حتى غلبوا على
سائر من كان في زمانهم، ولكل أحد منهم طائفة تفضله وتتعصب له، وقلما تجتمع على
واحد، إلا ما روي عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن امرئ القيس أنه أشعر الشعراء،
وقائدهم إلى النار) انتهى.
جميع من شرح المعلقات، ومن قسم
الشعراء، يعتبر امرؤ القيس؛ أشعر العرب _ذكرت قول الرسول_عليه السلام_ قبل قليل_
ودائمًا مايقدم شعره على سائر الشعراء.
أصحاب المعلقات
1-
امرؤ القيس
قال أبو عبيدة: أشعر الناس أهل الوبر خاصة، وهم امرؤ القيس وزهير والنابغة.
وسئل الفرزدق من أشعر الناس؟ قال: ذو القروح ( من ألقاب امرئ القيس )
وسئل لبيد من أشعر الناس؟ قال: الملك الضليل ( من ألقاب امرئ القيس ).
معلقة امرئ القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل .
2-
عمرو بن كلثوم التغلبي
قال الكميت: عمرو بن كلثوم أشعر الناس.
كان عمرو كثيرا ما يفخر بقبيلته _تغلب_ بأشعاره، فأمه ليلى بنت المهلهل.
معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا.
3-
طرفة بن العبد
قيل سمع النبي _صلى الله عليه وسلم_ قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلًا .. ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
فقال؛ " هو من كلام النبوة ".
وقال عمرو بن العلاء: طرفة أشعرهم.
معلقة طرفة بن العبد
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.
4-
الحارث بن حلزة اليشكري
أنشد
الشاعر معلقته للملك عمرو بن هند؛ رداً على عمرو بن كلثوم. وقيل أنه قد أعدّها
وروّاها جماعة من قومه؛ لينشدوها نيابة عنه؛ لأنه كان برص، وكره أن ينشدها من وراء
سبعة ستور ثم يغسل أثره بالماء _كما كان يفعل بسائر البرص_ ثم عدل عن رأيه وقام
بإنشادها بين يدي الملك وبنفس الشروط السابقة. لما سمعها الملك _وقد وقعت في نفسه
موقعاً حسنًا_ أمر برفع الستور، وأدناه منه، وأطمعه في جفنته، ومنع أن يغسل أثره
بالماء.
كان
الباعث الأساسي لإنشاد المعلقة؛ دفاع الشاعر عن قومه وتفنيد أقوال خصمه عمرو بن
كلثوم.
معلقة الحارث بن حِلِزة اليشكري
آذنتنا ببَينها أسماء ... رب ثاو يُمل من الثواء
5-
لببيد بين ربيعة العامري
قال عنه النبي _صلى الله عليه
وسلم_ بعد أن سمع
ألا كل شئ ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محال زائل
" أصدق ما قالت العرب "
معلقة لبيد العامري
عفت الديار محلها فمُقامها ... بمنًى تأبد غولها فرجامها.
6-
عنترة بن شداد العبسي
قال الأصمعي: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب،
والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا غضب.
معلقة عنترة العبسي
هل غادر الشعراء من متردم؟ ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
7-
زهير بن أبي سلمى المزني
قال ابن أحمر: زهير أشعر الناس.
قال الأصمعي: كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب،
والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا غضب.
معلقة زهير
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم؟
8-
الأعشى
قال الأخطل: الأعشى أشعر الناس
لقب بالأعشى لأنه كان ضعيف
البصر، والأعشى في اللغة هو الذي لا يرى ليلًا.
ويقولون أن الأعشى هو أول
من انتجع بشعره ( يقصدون بذلك أنه كان يمدح لطلب المال ). ولم يكن يمدح قوماً إلا
رفعهم، ولم يهج قوماً إلا وضعهم؛ لأنه من أسير الناس شعرًا وأعظمهم فيه حظًا. ألم
يزوج بنات المحلق بأبيات قالها فيه؟ _كما جاء في كتب الأدب_.
معلقة الأعشى
ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعًا أيها الرجل؟
9-
النابغة الذبياني
النابغة
لقب بهذا اللقب لأنه نبغ في الشعر أي أبدع في الشعر دفعة واحده.
قال عمر بن الخطاب _رضي
الله عنه_ لوفد غطفان حين جاءوه من الذي يقول؟:
حلفت فلم أترك لِنفسك ريبة ... وليس وراء
الله للمرء مطلب؟
قالوا: هو نابغة بني ذبيان، قال: هو أشعر شعرائهم.
كان
أبو بكر _رضي الله عنه_ يقدم النابغة ويقول: أحسنهم شعرًا، وأعذبهم بحرًا، وأبعدهم
قعرًا.
معلقة النابغة
الذبياني
اختار التبريزي قصيدته التي مطلعها:
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أَقوَت وطال
عليها سالف الأمد.
أما أبو زيد القرشي اعتبر في كتابه ( جمهرة
أشعار العرب )
قصيدة النابغة التي مطلعها:
عوجوا فحيوا لنُعم دمنة الدار ... ماذا تحيون
من نؤي وأحجار.
هذا
إن دل فهو يدل على؛ جمال قصائد النابغة الذبيان، في اختلاف العلماء على أي واحدة
منهم علقت على أستار الكعبة .
10-
عبيد بن الأبرص
كان المنذر بن ماء السماء،
قد نادمه رجلان من بني أسد، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحفر لكلّ منها حفرة
بظهر الحيرة، ثمّ يجعلهما في تابوتين ويدفنا في الحفرتين، ففُعل بهما ذلك، حتى إذا
أصبح سأل عنهما فأُخبر بهلاكهما، فندم على ذلك، وجعل لنفسه يومين في السنة، يجلس
فيهما عند الغريّين أحدهما يوم السعد، والآخر يوم التعس، فأوّل من يطلع عليه في
يوم نعيمه (يوم السعد) يعطيه مائة من الإبل شؤماً _أي سوداً_ وأول من يطلع عليه
يوم بؤسه ( يوم التعس ) يعطيه رأس ظَرِبان أسود، ثم يأمر به فيذبح ويغرّى بدمه
الغريّان. سئل المنذر لماذا فعلت بهما ما فعلت؟ فقال: ما أنا بملك إن خالف الناس أمري.
فبينما هو يسير في يوم بؤسه
إذ أشرف عليه عبيد، فقال لرجل ممّن كان معه: من هذا الشقيّ فقال له: هذا عبيد بن
البرص.
فأُتي به فقال له الرجل: أبيت اللعن اتركه، فإن عنده من حسن القريض أفضل ممّا تدرك في قتله، مع أنّه من رؤساء قومه وأهل النجدة والشأن فيهم، فاسمع منه وادعه إلى مدحك، فإن سمعت ما يعجبك، كنت قد عفت له المنّة فإن مِدْحَته الصنيعة. فإن لم يعجبك قوله كان هنيئاً عليك قتله، فإذا نزلنا فادع به. قال: فنزل المنذر، فطعِم وشرب، وبينه وبين الناس حجاب يراهم منه ولا يرونه، فدعا بعبيد من وراء الستر فقال له رديفة: ما ترى يا أخا أسد. قال: أرى الحوايا عليها المنايا. قال: فعليك بالخروج له ليقرّبك ذاك من الخلاص. قال: ثكلتك الثّواكل، إنّي لا أعطي باليد، ولا أُحضر البعيد، والموت أحبّ إليّ. قال المنذر: أنشدني من قولك "أقفر من أهله ملحوب". قال عبيد:
أقفر من أهله عبيدُ ... فليس يُبدي ولا يُعيد
قال: أنشدنا أيضاً! فقال:
هي الخمر تكنى بأمّ الطّلاء... كما الذّئبُ يدعى أبا جعدةِ
فقال: قل فيّ مديحاً يسير في العرب، نطلقك ونحسن إليك. قال: أمّا وأنا أسير في يديك فلا. قال: نردّك إلى أهلك ونلتزم رفدك. قال: أمّا على شرط المديح فلا! قال عبيد:
أوَصيِّ بَنِيّ وأعمامهم ... بأنّ المنايا لهُم راصده
لها مدّةٌ، فنفوسُ العِباد ... إليها، وإن جهَدوا، قاصِده
فوالله إنْ عشتُ ما سرّني ... وإن متُّ ما كانت العائده
فقال بعض القوم: أنشِد الملك! قال: لا يرجى لك من ليس معك. قال له المنذر: يا عبيد أي قتلة أحبّ إليك أن أقتلك. قال: أيّها الملك روّني من الخمر وافصدني، وشأنك وشأني. فسقاه الخمر ثم أقْطَعَ له الأكحل فلم يزل الدم يسيل حتى نفد الدم وسالت الخمر، فمات.
فأُتي به فقال له الرجل: أبيت اللعن اتركه، فإن عنده من حسن القريض أفضل ممّا تدرك في قتله، مع أنّه من رؤساء قومه وأهل النجدة والشأن فيهم، فاسمع منه وادعه إلى مدحك، فإن سمعت ما يعجبك، كنت قد عفت له المنّة فإن مِدْحَته الصنيعة. فإن لم يعجبك قوله كان هنيئاً عليك قتله، فإذا نزلنا فادع به. قال: فنزل المنذر، فطعِم وشرب، وبينه وبين الناس حجاب يراهم منه ولا يرونه، فدعا بعبيد من وراء الستر فقال له رديفة: ما ترى يا أخا أسد. قال: أرى الحوايا عليها المنايا. قال: فعليك بالخروج له ليقرّبك ذاك من الخلاص. قال: ثكلتك الثّواكل، إنّي لا أعطي باليد، ولا أُحضر البعيد، والموت أحبّ إليّ. قال المنذر: أنشدني من قولك "أقفر من أهله ملحوب". قال عبيد:
أقفر من أهله عبيدُ ... فليس يُبدي ولا يُعيد
قال: أنشدنا أيضاً! فقال:
هي الخمر تكنى بأمّ الطّلاء... كما الذّئبُ يدعى أبا جعدةِ
فقال: قل فيّ مديحاً يسير في العرب، نطلقك ونحسن إليك. قال: أمّا وأنا أسير في يديك فلا. قال: نردّك إلى أهلك ونلتزم رفدك. قال: أمّا على شرط المديح فلا! قال عبيد:
أوَصيِّ بَنِيّ وأعمامهم ... بأنّ المنايا لهُم راصده
لها مدّةٌ، فنفوسُ العِباد ... إليها، وإن جهَدوا، قاصِده
فوالله إنْ عشتُ ما سرّني ... وإن متُّ ما كانت العائده
فقال بعض القوم: أنشِد الملك! قال: لا يرجى لك من ليس معك. قال له المنذر: يا عبيد أي قتلة أحبّ إليك أن أقتلك. قال: أيّها الملك روّني من الخمر وافصدني، وشأنك وشأني. فسقاه الخمر ثم أقْطَعَ له الأكحل فلم يزل الدم يسيل حتى نفد الدم وسالت الخمر، فمات.
معلقة عبيد بن الأبرص
أقفر من أهله ملحُوب ... فالقُطبيات فالذنوب.
الخاتمة
دراسة المعلقات، وفهم معانيها؛ يساعد على فهم
القرآن الكريم، ويحببك باللغة العربية، التي تكاد تندثر _للأسف_ ، وقد أوصى عمر بن
الخطاب _رضي الله عنه_ بدراسة المعلقات؛ لما فيها من مفردات، ومعاني، وفصاحة.
ولكن يبقى القرآن الكريم، والأحاديث النبوية؛ هي المصدر الأساسي للغتنا
العربية.
والله أعلم.