الجمعة، 22 نوفمبر 2013

أرسلت روحي


أرسلت روحي !

 

 

  أخذت آخر صندوق من شقتي... وقفت وقفة تأمل، انظر إلى الشقة بتمعن... أتسائل هل من عودة؟! وفي قرارة نفسي... لا عودة !!

  خرجت من الشقة وسلمت المفتاح ورحلت، وبعد مسافة، أعدت النظر إلى الشقة تذكرت قول الشاعر:

 

ومما شجاني أنها يوم ودعت

تولت وماء العين في الجفن حائر

 

فلما أعادت من بعيد بنظرة

إلىّ التفاتاً أسلمته المحاجر

 

يقولون لا تنظر وتلك بلية

بلى كل ذي عين لا بد ناظر

 

أُلامُ إذا حنت قلوصي من الهوى

ولا ذنب لي في أن تحن الأباعر

 

  إن الله وهبنا نعمة النسيان؛ هذه النعمة التي لا يعرف قدرها الإنسان إلا إذا احتاجها.

  جميعنا يمر بمصاعب ومحن وابتلاء، فهذه حال الدنيا الفانية، ويأتي النسيان _هبة الله لنا_ ليمحوا الذكريات المحزنة لنعيش حياتنا الجميلة بدون الذكريات المؤلمة....

  والآن طويت صفحة من صفحات نور _ رحمها الله _ ليست الصفحة الأخيرة، لكن الصفحات تتابع في إنطوائها وتوديعها إلى الأبد.....

  وبعد أن مرت الأيام وأنا بعيد عن الدار التي جمعتنا، تذكرت الأيام الجميلة، وبدأت أتسائل: هل تغيرت الدار؟! هل تتذكرني الدار؟! هل نسيتني؟! هل كنت أقصد الدار بعينها؟! أم روح من سكنت الدار؟!

  ربما تذكرت الدار على غرار مجنون ليلى عندما قال:

 

أمر على الديار ديار ليلى

أقبل ذا الجدار وذا الجدار

 

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا

 

  تاقت نفسي لرأيتها، ولم أجد السبيل للذهاب إلى الدار، فلم أجد غير أن أرسل روحي إلى الدار؛ لترى حالها كيف أصبحت؟!

 

أرسلت روحي إلى داري تطوف بها

لما خطانا إليها مالها سبل

 

أن تسأل الدار إن كانت تذكرنا

أم أنها نسيت إذ أهلها رحلوا

 

  ذهبت روحي لتتذكر الأيام الجميلة، لأن عودتتي باتت مستحيلة ...

 

هيهات يا دار أن تصفو الحياة بنا

ويرجع الجمع بعد النأي يكتملوا

 

لكن روحي ستبقى فيك ساكنة

مالي بغيرك لا شاة ولا جمل

 

  ما كان يؤرقني أني لو رجعت ورأيت الدار؛ هل كانت لتحدثني؟! أم أنها تعاتبني؟!

  فأنا لم أجد الوقت لتوديعها... ففي لحظات الفراق؛ تضيع الجمل والمفردات، وتندم على كلمات كنت تتمنى ايصلها...

 

أو عدت يا دار هل ألقاك باسمة

أم في اللقاء يعز القول والجمل

 

ويصبح الهمس نجوانا فلا كلم

والعين تهطل سحًا تغدق المقل

 

بالله يا دار لا تبدي معاتبتي

أني رحلت بحالي دونما قبل

 

  تذكرت نور _ رحمها الله _ ولحظات الوداع، اللحظات الأخيرة، عندما أخذوها مني _ المستشفى الذي أهملها إلى أن ماتت _ دون توديع، ولا قبل، حتى لم يتسنى لها النظر إلى ابنتها....

 

ما كان للظلم ساعات الرحيل وما

وقت أتيح إذ الآهات تنطلق

 

لا بد لليل من صبح يبدده

ويسطع النور والظلماء ترتحل

 

  ودعت روحي وذهبت لأمارس حياتي اليومية...!!

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأبيات للشاعر: نادر شاليش